أقول: هذه هي الآيات، ونشرع الآن في تفسير وبيان الآية الأولى، وبيان دلالتها على معنى لا إله إلا الله.
يقول الله تبارك وتعالى قبلها: ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) [الإسراء:56-57].
فيوضح الله في هذه الآية معنىً عظيماً جداً، ويرد رداً جامعاً مانعاً على الذين عبدوا من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أي معبود كان، وكما تعلمون أن أعظم من عبد من دون الله هم الصالحون: إما الملائكة أو الأنبياء أو من دونهم من الصالحين من عباد الله الأتقياء ممن يسمون أولياء، وهذا أكثر شرك وأول شرك وقع في بني آدم.
فإن الله خلق بني آدم جميعاً على التوحيد: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)) [البقرة:213] وقد فسرها علماء التفسير ومنهم ابن عباس رضي الله عنه وبعض تلاميذه، قال: [[كان الناس أمة واحدة على التوحيد فأشركوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين]].
وقال ابن عباس رضي الله عنه: [[كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون كلها على التوحيد]] وفي الحديث الصحيح حديث عياض بن حمار رضي الله عنه: {وإني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين}.
فالأصل في الإنسانية جميعاً هو التوحيد، وقد خلق الله تعالى آدم على التوحيد، فهو نبي مؤمن موحد، وبقيت ذريته عشرة قرون على التوحيد، والأصل أيضاً في كل إنسان أنه يولد على التوحيد: {كل مولود يولد على الفطرة} حتى وإن ولد في أمريكا أو الصين أو الهند بين البوذيين، أو اليهود أو النصارى، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كل مولود يولد على الفطرة} وفي بعض الروايات، قال: {على هذه الملة} أي: على الإسلام: {فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} ولم يقل في أي رواية من الروايات: أو يمسلمانه أبداً، لأنه مولود على الفطرة.
والفطرة هي الإسلام، وإنما يكون التغيير والتبديل بصرفه عن الفطرة، قال: {كما تنتج البهيمة البهيمة جمعاء هل ترون فيها من جدعاء} فعندما تلد البهيمة بهيمة، تلدها كاملة سوية الخلقة، ولكن الذي يجذعها ويقطع أذنها أو يشقها بعلامة معينة هم الناس، فلا تُولد بهيمة مجذوعة مشقوقه بعلامة معينة كما كان يفعل الجاهليون.
وكذلك الناس لا يولد أحد مشرك أبداً، وإنما يولد على هذه الملة، ويولد على الفطرة والتوحيد.
فيأتي الذين كتب الله عليهم الشقاوة والشرك، والأبوان هم أهم شيء في ذلك، لكن قد يكون غير الأبوين، مثل المجتمع أو دعاة الضلال، فالتربية هي التي تحرف الطفل وتصرفه وتجرفه عن التوحيد إلى الشرك، ولذلك كان ما بين آدم وبين نوح على التوحيد، حتى وقع الشرك في قوم نوح.